فتاة في الثلاثين من عمرها، بيضاء الوجه، ممشوقة القوام، ذات شعر أسود طويل ناعم، وأعين عسلية، اضطرتها الظروف إلى السفر من القاهرة إلى الإسكندرية.
في انتظارها للسوبر جيت، لمحته عيناها في المحطة، بملابسه البسيطة وسيارته المتواضعة التي يضع عليها الفول والطعمية والخبز، وكل ما يلزم وجبة الإفطار.
أرادت أن تتناول وجبة الإفطار قبل وصول الأتوبيس، فأخذتها الخطوات تجاه عربة بائع الطعمية، هذا الشاب المكافح ذي الخامسة والعشرين من عمره، متوسط الطول، نحيف العود، أزرق العينين، أبيض البشرة.
اقتربت ثم طلبت منه سندوتشات، وبينما تتناولها سألته بروح مرحة:
– ما أجمل سيارتك أيها الشاب المكافح!
– أرجوك يا أستاذة.. لا تسخري من عملي المتواضع.
– كلا.. أتحدث بصدق، فأنا دومًا أنبهر بالشباب المكافح الذي يمتهن أي مهنة شريفة، بدلاً من التسكُّع على المقاهي.
– أشكرك، وسيزداد انبهارك عندما أخبرك أنني حاصل على بكالوريوس تجارة، بالطبع بحثت كثيرًا عن عمل لكن دون جدوى، إلى أن هداني رشدي إلى هذا المشروع البسيط، فالحياة صعبة وتحتاج إلى مصاريف كثيرة، وعلينا التعايش معها دون تعالٍ على أي مهنة بسيطة.
– أوجزت في تشخيص حال عديد من الشباب، وزاد إعجابي بشخصيتك عندما سمعت كلامك.
– وهناك مفاجأة ستدهشك، أنا أعد رسالة الماجستير بجانب عملي البسيط.
– كتب لك الرحمن كل التوفيق..
أنهت إفطارها وقامت لتدفع ثمن الإفطار، وفجأة ظهرت فتاة رقيقة يبدو أنها في العشرين من عمرها، اقتربت منه واعتذرت له عن تأخرها عليه ودار بينهما حوار جميل ينم عن قصة حب.
ظلَّت الفتاة تراقب هذا المشهد الجميل، مبتسمة لحوارهما الرقيق، ثم سألته:
– يبدو أنها خطيبتك أو زوجتك؟
– نعم أستاذة. إنها خطيبتي في السنة النهائية بكلية الإعلام، تحرص دومًا على مشاركتي مشروعي الصغير، نطمح معًا أن يصبح لنا ذات يوم مطعم كبير.
– ابتسمت لهما ثم قالت: ما أجمل حبكما، وما أعظم إصراركما على النجاح، ومثابرة الطموح!
ثم ودعتهما واتجهت لتصعد إلى الأتوبيس الذي جاء في موعده، وظلت تفكر في حال الشاب الذي يمثل حال عديد من الشباب، ومضت تتساءل طيلة الطريق:
هل يقتصر الشباب الطريق منذ البداية ويتعلم تعليمًا متوسطًا، ويمتهن أي مهنة بسيطة ما دامت شريفة، أم يتعلم ويواصل مشواره العلمي لينتهي به الأمر مثلما انتهى ببائع الطعمية الجامعي الذي يعدُّ الماجيستير ويبيع الطعمية؟!
أم أن هناك حلولًا غائبة عن ذهنها!!